المكتبة المقروءة / مقالات / الحكمة من تخلية الله سبحانه وتعالى بين العبد وبين الذنوب.

الحكمة من تخلية الله سبحانه وتعالى بين العبد وبين الذنوب.

تاريخ النشر : 19 ربيع آخر 1439 هـ - الموافق 07 يناير 2018 م | المشاهدات : 24972
مشاركة هذه المادة ×
"الحكمة من تخلية الله سبحانه وتعالى بين العبد وبين الذنوب."

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله ، وعلى آله وصحبه .
أما بعد.
فقرأت اليوم للإمام ابن القيم رحمه الله هذه الكلمات النيرات، ومدارها على عبدٍ خلَّى الله تعالى بينه وبين ذنوبه، فوقع فيها وارتكب ما حرمه الله عليه، ثم بعد ذلك تاب إلى الله وأناب إليه، وخشيه في السر والعلن، وخاف على نفسه أن يعاقبه الله تعالى على هذه الذنوب، فندم أشد الندم، وإن بعض إخواننا وأخواتنا، ممن يخافون الله تعالى قد تجلب لهم مثل هذه الذنوب النكد والهم والغم، والتحسر الشديد، فهذه الكلمات خطاب لهم.
أما الإخوة والأخوات الذين لا يبالون بالذنوب ولا يعرفون لها قدر، وقد نزع الله من قلوبهم الخشية والرحمة والخوف ، فهؤلاء لا سبيل لهم في هذه الكلمات، هدانا الله وإياهم لكل خير، وهذه مقدمة بين كلام ابن القيم رحمه الله حتى لا يفهمه أحد أنه دعوة للوقوع في الذنوب والمعاصي ، والله أعلم.
** قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الماتع " طريق الهجرتين" ص(286- 292):" الحكمة في تخلية الله سبحانه وتعالى بين العبد وبين الذنب وإقداره عليه وتهيئة أسبابه له وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله:
* أحدها:  أنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب ثم إذا كان ممن سبقت له العناية قضى له بالتوبة.
* الثاني: تعريف العبد عزة الله سبحانه في قضائه ونفوذ مشيئته وجريان حكمه.
*الثالث: تعريفه حاجته إلى حفظه وصيانته وأنه إن لم يحفظه ويصنه فهو هالك ولا بد والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق.
*الرابع: استجلابه من العبد استعانته به واستعاذته به من عدوه وشر نفسه ودعائه والتضرع إليه والابتهال بين يديه.
*الخامس: إرادته من عبده تكميل مقام الذل والانكسار فإنه متى شهد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه وظن أنه وأنه فإذا ابتلاه بالذنب تصاغرت عنده نفسه وذل وتيقن وتمنى أنه وأنه.
*السادس: تعريفه بحقيقة نفسه وأنها الخطاءة الجاهلة وأن كل ما فيها من علم أو عمل أو خير فمن الله مَنَّ به عليه لا من نفسه.
*السابع: تعريفه عبده سعة حلمه وكرمه في ستره عليه فإنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده فلم يصف له معهم عيش.
*الثامن: تعريفه أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته.
*التاسع: تعريفه كرمه في قبول توبته ومغفرته له على ظلمه وإساءته.
*العاشر: إقامة الحجة على عبده فإن له عليه الحجة البالغة فإن عذبه فبعدله وببعض حقه عليه بل باليسير منه.
*الحادي عشر: أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يجب أن يعامله الله به فإن الجزاء من جنس العمل، فيعمل في ذنوب الخلق معه ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.
*الثاني عشر: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم مع إقامة أمر الله فيهم فيقيم أمره فيهم رحمة لهم لا قسوة وفظاظة عليهم.
*الثالث عشر: أن يخلع صولة الطاعة والإحسان من قلبه فتتبدل برقة ورأفة ورحمة.
*الرابع عشر: أن يعريه من داء العجب بعمله كما قال النبي «لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد منه العجب» أو كما قال.
*الخامس عشر: أن يعريه من لباس الإدلال الذي يصلح للملوك ويلبسه لباس الذل الذي لا يليق بالعبد سواه.
*السادس عشر: أن يستخرج من قلبه عبوديته بالخوف والخشية وتوابعهما من البكاء والإشفاق والندم.
*السابع عشر: أن يعرف مقداره مع معافاته وفضله في توفيقه وعصمته فإن من تربى في العافية لا يعرف ما يقاسيه المبتلى، ولا يعرف مقدار العافية.
*الثامن عشر: أن يستخرج منه محبته وشكره لربه إذا تاب إليه ورجع إليه فإن الله يحبه ويوجب له بهذه التوبة مزيد محبة وشكر ورضا لا يحصل بدون التوبة وإن كان يحصل بغيرها من الطاعات أثر آخر لكن هذا الأثر الخاص لا يحصل إلا بالتوبة.
*التاسع عشر: أنه إذا شهد إساءته وظلمه واستكثر القليل من نعمة الله لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير على مسيء مثله فاستقل الكثير من عمله لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته وذنوبه أضعاف أضعاف ما يفعله فهو دائما مستقل لعمله كائنا ما كان ولو لم يكن في فوائد الذنب وحكمه إلا هذا وحده لكان كافيا.
*العشرون: أنه يوجب له التيقظ والحذر من مصايد العدو ومكايده ويعرفه من أين يدخل عليه وبماذا يحذر منه كالطبيب الذي ذاق المرض والدواء.
*الحادي والعشرون: أن مثل هذا ينتفع به المرضى لمعرفته بأمراضهم وأدوائها.
*الثاني والعشرون: أنه يرفع عنه حجاب الدعوى ويفتح له طريق الفاقة فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى ولا طريق أقرب من العبودية فإن دوام الفقر إلى الله مع التخليط خير من الصفاء مع العجب.
*الثالث والعشرون: أن تكون في القلب أمراض مزمنة لا يشعر بها فيطلب دواءها فيمن عليه اللطيف الخبير ويقضي عليه بذنب ظاهر فيجد ألم مرضه فيحتمي ويشرب الدواء النافع فتزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها ومن لم يشعر بهذه اللطيفة فغلظ حجابه كما قيل:
 لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الأجسام بالعلل .
*الرابع والعشرون: أنه يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب ليكمل له نعمته وفرحه وسروره إذا اقبل بقلبه إليه وجمعه عليه وأقامه في طاعته فيكون التذاذه في ذلك بعد أن صدر منه ما صدر بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، والشديد الخوف بالأمن، والمحب الطويل الهجر بوصل محبوبه، وإن لطف الرب وبره وإحسانه ليبلغ بعبده أكثر من هذا فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.
*الخامس والعشرون: امتحان العبد واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا فإنه إذا وقع الذنب سلب حلاوة الطاعة والقرب ووقع في الوحشة فإن كان ممن يصلح اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة فحنت وأنَّت وتضرعت واستعانت بربها ليردها إلى ما عودها من بره ولطفه وإن ركنت عنها واستمر إعراضها ولم تَحنُّ إلى تعهدها الأول ومألوفها ولم تحسن بضرورتها وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها علم أنها لا تصلح لله وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.
*السادس والعشرون: أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان أو بعضها ولو لم يخلق فيه هذه الدواعي لم يكن إنسانا بل ملكا فالذنب من موجبات البشرية كما أن النسيان من موجباتها كما قال النبي :«كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» ولا يتم الابتلاء والاختبار إلا بذلك والله أعلم.
* السابع والعشرون: أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه فإن الله إذا أراد بعبد خيرا سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه وشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره.
 وقال بعض السلف:" إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا كيف؟ قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عجبه وكبره، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمن بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار".
*الثامن والعشرون: أن شهود ذنبه وخطيئته يوجب له أن لا يرى له على أحد فضلاً ولا له على أحد حقاً فإنه إذا شهد عيب نفسه بفاحشة وخطأها وذنوبها لا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وإذا شهد ذلك من نفسه لم ير لها على الناس حقوقاً من الإكرام يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها فإنها عند أخس قدرا وأقل قيمة من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها أو لها عليهم فضل يستحق أن يلزموه لأجله فيرى أن من سلم عليه أو لقيه بوجه منبسط قد أحسن إليه وبذل له ما لا يستحقه فاستراح في نفسه، واستراح الناس من عتبه وشكايته فما أطيب عيشه وما أنعم باله وما أقر عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتبا على الخلق شاكيا ترك قيامهم بحقه ساخطا عليهم وهم عليه أسخط فسبحان ذي الحكمة الباهرة التي بهرت عقول العالمين.
*التاسع والعشرون: أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها فإنه في شغل بعيبه ونفسه وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس، فالأول علامة السعادة، والثاني علامة الشقاوة.
*الثلاثون: أنه يوجب له الإحسان إلى الناس والاستغفار لإخوانه الخاطئين من المؤمنين فيصير هجيرِّاه "رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات"، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثل ما أصيب به ويحتاجون إلى مثل ما هو محتاج إليه فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم يحب أن يستغفر هو لأخيه المسلم.
 وقد قال بعض السلف:" إن الله لما عتب على الملائكة في قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وامتحن هاروت وماروت جعلت الملائكة بعد ذلك تستغفر لبني آدم ويدعون الله لهم.
*الحادي والثلاثون: أنه يوجب له سعة إبطائه وحلمه ومغفرته لمن أساء إليه فإنه إذا شهد لنفسه مع ربه سبحانه مسيئا خاطئا مذنبا مع فرط إحسانه إليه وبره وشدة حاجته إلى ربه وعدم استغنائه عنه طرفة عين، وهذا حاله مع ربه فكيف يطمع أن يستقيم له الخلق ويعاملوه بمحض الإحسان وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة وكيف يطمع أن يطيعه مملوكه وولده وزوجته في كل ما يريد وهو مع ربه ليس كذلك وهذا يوجب أن يغفر لهم ويسامحهم ويعفو عنهم ويغضي عن الاستقصاء في طلب حقه قبلهم". ص(286-292).
هذا والله أسأل أن يرزقنا التوبة وقبولها، والعمل الصالح وقبوله، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وحزبه المفلحين، وأوليائه الصالحين، إنه بر رحيم، وصلى الله وسلم وبارك على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي.
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
13 صفر 1433هـ
7 يناير 2012م

 

التعليقات (229)

1 .1BJY-HM-22 Trailer Parts and Accessories capacity 2000/6000lbs Trailer Multi-Ball Mount With Clevis Hook
2025-11-10 08:10 AM
2 .cheap louis vuitton sneakers
2025-11-09 12:22 PM
3 .prescription drugs without doctor approval
2025-11-09 00:34 AM

thecanadianpharmacy com https://canadianpharmacyleaf.com/ [url=https://canadianpharmacyleaf.com/]best online pharmacies canada[/url]

4 .Made In China Superior Quality Gearbox Made in Vietnam For Dusters
2025-11-08 22:26 PM
5 .Agricultural farm spare parts 26''*7mm notched disc blade/plow disc blade/disc plough coulter blades
2025-11-08 11:57 AM
6 .weinverkos_wcpa
2025-11-08 03:20 AM

Entdecken Sie die besten Weinverkostungen in Wien auf [url=https://weinverkostung.neocities.org/]weinverkostung.neocities.org[/url]. In der Stadt finden sich zahlreiche Weinguter, die eine lange Geschichte haben. Die Weinverkostungen in Wien sind perfekt fur Kenner und Neulinge. Zusatzlich gibt es oft kulinarische Begleitungen, die den Genuss erhohen. #### **2. Die besten Orte fur Weinverkostungen** In Wien gibt es zahlreiche Lokale und Weinguter, die Verkostungen anbieten. Das bekannte Heurigenviertel in Grinzing ladt zu gemutlichen Verkostungen ein. Einige Winzer veranstalten Fuhrungen durch ihre Kellereien. Oft werden auch seltene Weine vorgestellt, die nur lokal erhaltlich sind. #### **3. Wiener Weinsorten und ihre Besonderheiten** Wiener Weine sind vor allem fur ihre Vielfalt bekannt. Rote Weine wie der Blaue Zweigelt gewinnen immer mehr an Beliebtheit. Die Bodenbeschaffenheit und das Klima pragen den Geschmack. Dank nachhaltiger Anbaumethoden ist die Qualitat stets hoch. #### **4. Tipps fur eine gelungene Weinverkostung** Eine gute Vorbereitung macht die Verkostung noch angenehmer. Ein neutraler Geschmack im Mund vor der Verkostung verbessert das Erlebnis. Gruppenverkostungen bringen zusatzlichen Spa?. Ein Weinjournal kann helfen, personliche Favoriten festzuhalten. --- ### **Spin-Template fur den Artikel** #### **1. Einfuhrung in die Weinverkostung in Wien** Die osterreichische Hauptstadt bietet eine einzigartige Mischung aus Tradition und Moderne. #### **2. Die besten Orte fur Weinverkostungen** Einige Winzer veranstalten Fuhrungen durch ihre Kellereien. #### **3. Wiener Weinsorten und ihre Besonderheiten** Die warmen Sommer sorgen fur vollmundige Aromen. #### **4. Tipps fur eine gelungene Weinverkostung** Gruppenverkostungen bringen zusatzlichen Spa?.

7 .Best Solar Camping Accessories Manufacturers Factory
2025-11-07 23:02 PM
8 .cheap lv bags images
2025-11-07 16:55 PM
9 .Buy Hdpe Liner Repair Products Service
2025-11-07 14:50 PM
10 .cheap louis vuitton iphone 4s sleeve case
2025-11-07 09:46 AM
11 .Custom Pouch Packag Factory Manufacturer
2025-11-07 04:56 AM
12 .High-Quality Black Wool Cardigan Factories Suppliers
2025-11-06 13:00 PM
13 .China 12l14 Cutting Steel Suppliers Factory
2025-11-06 07:16 AM
14 .cheap louis vuitton suitcase
2025-11-06 05:58 AM
15 .www.carveboad.com
2025-11-06 01:45 AM
16 .cheap louis vuitton graffiti shoes
2025-11-06 00:14 AM
17 .cheap louis vuitton wallet
2025-11-05 17:42 PM
18 .Custom labtop bag price Manufacturers, Suppliers
2025-11-05 05:04 AM
19 .Seeding fertilizer machinery 2CM-1 potato seeder planter
2025-11-04 15:52 PM
20 .T-Bar Chain Sprockets
2025-11-04 04:04 AM
×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف